فقيد الوطن
المصدر : الكاتب صالح الفهيد (مدير مكتب جريدة عكاظ بحائل )
كنت على سفر عندما ابلغني الصديق حمود السلوة بالخبر الفاجعة..
قال لي : الأميرعبد الرحمن بن سعود يطلبك الحل!!
شعرت بشئ من الأرتباك .. وحالة من الالتباس!
لم اتأكد من الأسم الذي قاله!!
أو انني كنت اتمنى أن تكون الأسماء قد تشابهت علي..
كنت غير مصدق.. أو انني كنت غير مهيأ للتصديق..
سألته متلعثما: هل قلت الأمير عبد الرحمن بن سعود??
أجاب بشكل حاسم: نعم لقد اسلم روحه إلى بارئها صباح اليوم..
شعرت بالصدمة.. والذهول.. وعدم الاتزان..
لقد احدث الخبر دمارا هائلا في نفسي..
لم استطع حتى البكاء..
اذن.. الخبر صحيح! قلت بحزن..
لقد غاب المواطن المخلص.. الرجل الصادق.. المعلم الرمز.. الأب والأخ والصديق.
غاب وترك وراءه سيرة عطرة.. وذكريات حافلة بالثراء .. والمواقف المتفردة التي لايشبهه فيها احد!
امسكت بقلمي لأكتب شيئا عن فقيد الوطن..
ولكن.. عبثا كنت احاول!
كلما كتبت بضعة اسطر.. مزقت الورقة.. وقلت ان هذا لايليق.. بالمرحوم!
ثم اعاود المحاولة من جديد.. والنتيجة واحدة..
قلت لنفسي اما ان اكتب شيئا يرتقي لقامة وهامة عبد الرحمن بن سعود.. او لاداعي للكتابة!
اجلت الكتابة ليوم آخر.. وكان الأحساس المتعاظم بالفقد.. يجعل من الكتابة عن المرحوم ضربا من المستحيل.
وكنت قد عزمت على ان انسى موضوع تأبين الرجل الأستثنائي المرحوم عبد الرحمن بن سعود.. لولا ان احد الأصدقاء قد اتصل بي امس السبت ولامني على غيابي عن هذا الحدث الجلل!
قلت اذن سأكتب معترفا بعجزي عن التعبير عن احساسي العميق بالفقد والحزن والألم لغياب الرجل القريب الى قلبي منذ اكثر من ثلاثة عقود.
لقد نشأت بيني وبين المرحوم علاقة منذ نحو ثلاثين سنة.. يومها كنت طالبا بالصف الثاني متوسط.. وفجأة طلبني مدير المدرسة المتوسطة الرابعة الأستاذ سعود الرباح القويعي عبر الأذاعة الداخلية.. فذهبت للأدارة وكانت في انتظاري واحدة من اجمل المفاجآت التي لن انساها مادمت حيا.. حيث ناولني ابو رباح مظروفا من النوع الذي تغلف به البرقيات.. ورمقني بنظرة استغراب دون ان يقول شيئا.. وقعت بالاستلام وعدت إلى فصلي.. واثناء ذلك فتحت المظروف واخرجت نص البرقية الممهورة بتوقيع الأمير المرحوم عبد الرحمن بن سعود.. رئيس نادي النصر.. كدت اطير من الفرحة!!
وانتابتني مشاعر هي مزيج من الفرحة والزهو والغرور.. ويحق لي ذلك.. ففي جيبي برقية من عبد الرحمن بن سعود!
لقد اجتاحتني رغبة عارمة في المرور على كل فصول المدرسة واخبارهم بأمر البرقية.. ولكني لم افعل خشية من الحسد.. ومن المعلمين الهلاليين!!
كان موضوع البرقية ردا على خطاب مطول من عشر صفحات كنت قد ارسلته إلى سموه.. وضمنته بعض الاقتراحات والتصورات للنهوض بنادي النصر.
كانت لفتة معبرة من المرحوم لمراسلة طالب لم يبلغ الرابعة عشرة.. ولكن تواضع سموه وتلطفه وتبسطه مع الجميع يجعل من ذلك ممارسة اعتيادية.. ليس فيها اصطناع او تكلف او افتعال!
ودارت الأيام.. وتوثقت علاقتي بالفقيد.. خصوصا بعد ان اشتغلت بالحقل الصحفي.
وقبل ثلاثة اعوام شرفني يرحمه الله بتلبية دعوتي وزارني في منزلي بحائل.. وفي العام الماضي وقف سموه مدافعا عني وداعما لي في احد المواقف الصحفية الصعبة.. وكان سببا في انصافي .. مثلما كان سببا في انصاف الكثير من الإعلاميين الذين يتعرضون إلى بعض المظالم.
ولسموه اياد بيضاء على الرياضة السعودية.. وعلى الرياضيين.. تحتاج لر صدها عشرات الصفحات.
*
بصراحة.. نحن عاجزون عن التعبير عما يعتمل في قلوبنا وصدورنا من حزن وألم.. وحدها دموعنا هي التي تعبر عن احساسنا الكبير بالفقد واليتم.. وعزاؤنا ان بصماتك وانجازاتك ومواقفك ستظل حاضرة في مشهدنا الرياضي.
إنتهى
أحسن الله عزاك أستاذي الكبير صالح الفهيد ورحم الفقيد في واسع رحمته .